Pages

Sunday, February 12, 2012

علمتني الحياة - محمد مصطفى حمام

أُلقيت في المركز العام للشبان المسلمين، وفرغ الشاعر من إنشادها، ثم أجهش بالبكاء

عـلَّـمـتـنـي الحياةُ أن أتلقّى*** كـلَّ ألـوانـهـا رضـاً وقبولا

ورأيـتُ الـرِّضـا يـخفِّف أثقا***لـي ويُـلقي على المآسي سُدولا

والـذي أُلـهـم الـرِّضا لا تراهُ***أبـدَ الـدهـر حـاسداً أو عَذولا

أنـا راضٍ بـكـل مـا كتب الله***ومُـزْجٍ إلـيـه حَـمْـداً جَزيلا

أنـا راضٍ بـكل صِنفٍ من النا***سِ لـئـيـمـاً ألـفيتُه أو نبيلا

لـسـتُ أخـشـى من اللئيم أذاه***لا، ولـن أسـألَ الـنـبيلَ فتيلا

فـسـح الله فـي فـؤادي فلا أر***ضـى مـن الحبِّ والوداد بديلا

فـي فـؤادي لـكل ضيف مكان***فـكُـنِ الـضيفَ مؤنساً أوثقيلا

ضلَّ من يحسب الرضا عن هَوان***أو يـراه عـلـى الـنِّفاق دليلا

فـالـرضا نعمةٌ من الله لم يسـ***ـعـد بـهـا في العباد إلا القليلا
والـرضـا آيـةُ البراءة والإيـ***ـمـان بالله نـاصـراً ووكـيلا
 
* * *

عـلـمـتني الحياةُ أنَّ لها طعـ***ـمَـيـن، مُـراً، وسائغاً معسولا

فـتـعـوَّدتُ حـالَـتَـيْها قريراً***وألـفـتُ الـتـغـيير والتبديلا

أيـهـا الـناس كلُّنا شاربُ الكأ***سَـيـن إنْ عـلقماً وإنْ سلسبيلا

نـحـن كالرّوض نُضْرة وذُبولا***نـحـن كـالـنَّجم مَطلعَاً وأُفولا

نـحـن كـالـريح ثورة وسكوناً***نـحـن كالمُزن مُمسكاً وهطولا
نـحـن كـالـظنِّ صادقاً وكذوباً***نـحـن كـالحظِّ منصفاً وخذولا
 
* * *

قـد تـسـرِّي الحياةُ عني فتبدي***سـخـريـاتِ الورى قَبيلاً قَبيلا

فـأراهـا مـواعـظـاً ودروساً***ويـراهـا سـواي خَـطْباً جليلا

أمـعـن الناس في مخادعة النّفـ***ـسِ وضـلُّـوا بصائراً وعقولا

عـبـدوا الـجاه والنُّضار وعَيناً***مـن عـيـون المَهَا وخدّاً أسيلا

الأديـب الـضـعيف جاهاً ومالاً***لـيـس إلا مـثـرثـراً مخبولا

والـعـتـلُّ الـقويُّ جاهاً ومالاً***هـو أهـدى هُـدَى وأقـومُ قيلا

وإذا غـادة تـجـلّـت عـليهم***خـشـعـوا أو تـبـتّلوا تبتيلا

وتَـلـوا سـورة الـهـيام وغنّو***هـا وعـافـوا القرآن والإنجيلا

لا يـريـدون آجلاً من ثواب الله***إنَّ الإنـسـان كـان عـجـولا

فـتـنـة عـمّـت المدينة والقر***يـةَ لـم تَـعْـفِ فتية أو كهولا

وإذا مـا انـبـريتَ للوعظ قالوا***لـسـتَ ربـاً ولا بُعثتَ رسولا

أرأيـت الـذي يـكـذِّب بـالد***يـن ولا يـرهب الحساب الثقيلا

* * *

أكـثـرُ الناس يحكمون على النا***س وهـيـهات أن يكونوا عدولا

فـلـكـم لـقَّـبوا البخيل كريماً***ولـكـم لـقَّـبـوا الكريم بخيلا

ولـكـم أعـطَـوا الملحَّ فأغنَوا***ولـكـم أهملوا العفيفَ الخجولا

رُبَّ عـذراء حـرّة وصـمــوها*** وبغيّ قـد صـــوّروها بتـــولا!
 
وقـطـيـعِ الـيدين ظلماً ولصٍ***أشـبـع الـنـاس كـفَّه تقبيلا

وسـجـيـنٍ صَـبُّوا عليه نكالاً***وسـجـيـنٍ مـدلّـلٍ تـدلـيلا

جُـلُّ مـن قـلَّـد الـفرنجة منا***قـد أسـاء الـتـقـليد والتمثيلا

فـأخـذنـا الخبيث منهم ولم نق***بـسِ مـن الـطـيّبات إلا قليلا

يـوم سـنَّ الـفرنج كذبةَ إبريـ***ـلَ غـدا كـل عُـمْـرنا إبريلا

نـشـروا الرجس مجملاً فنشرنا***هُ كـتـابـاً مـفـصَّلاً تفصيلا

* * *

عـلـمتني الحياة أنَّ الهوى سَيْـ***ـلٌ فـمـن ذا الذي يردُّ السيولا

ثـم قالت: والخير في الكون باقٍ***بـل أرى الخيرَ فيه أصلاً أصيلا

إنْ تـرَ الـشـرَ مستفيضاً فهوِّن***لا يـحـبُّ الله الـيئوس الملولا

ويـطول الصراع بين النقيضَيـ***ـنِ ويَـطوي الزمانُ جيلاً فجيلا

وتـظـلُّ الأيـام تعرض لونَيْـ***هـا عـلى الناس بُكرةً وأصيلا

فـذلـيـلٌ بالأمس صار عزيزاً***وعـزيـزٌ بـالأمس صار ذليلا

ولـقـد يـنـهض العليلُ سليماً***ولـقـد يـسـقـطُ السليمُ عليلا

ربَّ جَوعانَ يشتهي فسحة العمـ**ـرِ وشـبـعانَ يستحثُّ الرحيلا

وتـظـلُّ الأرحـامُ تـدفع قابيـ***لاً فـيُـردي بـبـغـيـه هابيلا

ونـشـيـد الـسـلام يتلوه سفّا***حـون سَـنُّوا الخراب والتقتيلا

وحـقـوق الإنـسان لوحة رسّا***مٍ أجـاد الـتـزويـر والتضليلا

صـورٌ مـا سرحتُ بالعين فيها***وبـفـكـري إلا خشيتُ الذهولا

* * *

قال صحبي: نراك تشكو جروحاً***أيـن لـحن الرضا رخيماً جميلا

قـلـت أما جروح نفسي فقد عوَّ***دْتُـهـا بَـلـسَـمَ الرضا لتزولا

غيرَ أنَّ السكوتَ عن جرح قومي***لـيـس إلا الـتقاعسَ المرذولا

لـسـتُ أرضـى لأمـة أنبتتني***خُـلُـقـاً شـائـهاً وقَدْراً ضئيلا

لـسـتُ أرضى تحاسداً أو شقاقاً***لـسـتُ أرضى تخاذلاً أو خمولا

أنـا أبـغي لها الكرامة والمجـ***ـدَ وسـيـفـاً على العدا مسلولا

عـلـمـتني الحياة أني إن عشـ***ـتُ لـنفسي أعِشْ حقيراً هزيلا
عـلـمـتـنـي الحياةُ أنيَ مهما ***أتـعـلَّـمْ فـلا أزالُ جَهــــــــــــولا

No comments: